اردن النشاما
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الشباب والبنات ( فرسان التغيير)
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 5

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فارس الا
زائر
Anonymous



بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 5 Empty
مُساهمةموضوع: بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 5   بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 5 I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 03, 2007 4:43 am

استدار نحوي:‏
-لا أستطيع، يجب أن أذهب معهم حتى لا أعتبر جاسوساً.‏
دفعه العسكري من نقرته إلى سيارة جيب، وقفت خارج الحارة، أبكي ملء عيني.. هب البيت بعد فوات الأوان..‏
لكن سامي كان مضى.‏
إلى أين مضى؟ هاجمتني أيدٍ سوداء وبيضاء. تسمرت في مكاني ارتعش خوفاً وترقباً. انقلب الفرح إلى عزاء وبتنا على جمر الانتظار. نلطش على واسطة خير أشهراً عدة. جمع أبي معلومات عن مفتاح يوصله إلى سجن القابون. وبعد أربعة أيام ظفر بجارنا متعهد الطرق شفيق العشا، وفواز الحلاق الذي يعمل لحساب الإنكليز، ويقدم خدمات مشبوهة.‏
عاد متعباً من مشواره، طلب كأس لبن، وروى لنا بصوت متهدج قصة لقائه مع سامي في غرفة مدير السجن.‏
-"لم أدر كيف تصرفت، وتصرف ساعتئذ، هجم علي واحتضنني وبكى أم هجمت عليه؟ أم تسمّر في مكانه؟ كانت لحظة غائمة تحجب الوضوح ربما قال:‏
-هبط قلبي يا بابا، خفت من النداء، وكأنني أساق إلى حكم الإعدام"‏
أفزعتنا أمي بنحيبها، رششنا وجهها بماء الزهر. سقطت مريضة بين الموت والحياة. وعم الأسى المنزل.‏
مرت الأيام بطيئة تئن في أفئدتنا كأزيز ناعورة مهترئة. لا نقوى على الضحك، ولا الرضوخ لواقع أقوى من إرادتنا.‏
قبل المغرب من أيام حزيران القائظة قرع الباب عسكري أسود الوجه لماع. ناولني ورقة مطوية عدة طيات أخرجها من محرمة في جيبه. وصلتنا أول رسالة مهرّبة من سامي.‏
أهلي أحبابي.‏
اعترف بضياعي ويأسي. أنا مشرد، ربما أموت غداً قبل أن أراكم.‏
أحبابي. أتذكركم وأبكي، رفضت كل ما قدم لي من طعام، فاصوليا حب ورز. وحتى كار الشاي الأسود المغلي. أبكي ندماً حتى الصباح، ولا أخجل من ضعفي. استولت علي فكرة التخاذل فأسندت رأسي إلى الجدار، سمعت خربشة فأرة تختبئ في كيس طحين، دققت على الحائط عدة مرات ابحث عن إنسي. خيل إليّ أن جواباً أتاني من خلف الحجارة السميكة الصلبة السوداء، والأرض الباردة المقفرة إلا من بطانية. أعدت المحاولة اليائسة. توضح الجواب. جاءتني دقات رتيبة وسؤال عن اسمي باللغة العربية، ثم ظهر وجه الحارس الأسود الذي حمل ورقتي وسألني:‏
-مسلمان؟‏
-مسلمان.‏
فهمت كما لو أنني أفكك طلاسم الجن، أن فرقتي رحلت إلى ليبيا لقتال الألمان. رجوته أن يوصل أمر سجني إلى أهلي، عاد بعد ساعة، ودفع بورقة وقلم من أسفل الباب.‏
بت ليلتي شقياً، هل كتب لي عمر جديد؟ أحقاً هربت من مصر إلى دمشق لأنجو من الحرب.‏
لعلكم حسبتم مجيئي حلماً من أحلام اليقظة. بت أنا أيضاً أسير أوهامي. تتلاعب بي يمنة ويسرة. قادرة على ابكائي، وعاجزة عن تخفيف الرعشة، رعشة الرعب التي تلاعبت بي كورقة صفراء.‏
أهلي‏
علمت أن الواشي "عياد" كلب الانكليز، وأنه عميل مزمن للمخابرات البريطانية في دمشق. عمله التقاط الأغرار أمثالي.‏
بعد أن غادرني أبي، رمينا في شاحنة عسكرية كالغنم. رؤوسنا متلاصقة، وظهورنا إلى الشارع. في محطة الحجاز رأيت القطار الذي مهد لي سبيل اللقاء بكم.‏
رافقني "عياد" إلى بيروت عن طريق "رياق" ويده على المسدس شعرت برغبة عارمة في ذبحه.‏
تأبط ذراعي عسكريان أجنبيان، وساقاني إلى السجن دون أن يتمكن ابن خالتي عبد الرحمن المقيم في بيروت من تهريبي بطلبٍ منكم. يرن صوته في أذني.‏
-سامي، أنا عبد الرحمن. ابن خالتك.‏
أحسست بأهميتي. يداي مطوقتان بقيد حديدي كأعتى المجرمين. رميت منفرداً في سجن الحرس. عقد الخوف لساني تساءلت ببلاهة: كيف تسربت من أيدي أهلي وأمام أعينهم في بيروت.‏
تعرفت في السجن على قافلة الموت. كانت مؤلفة من ثلاثة عشر افريقياً أسود. داخلني الخوف. انكمشت على بعضي بادئ بدء. كانوا مثل الليل. ظلام بظلام، وعتمة في عتمة. دفعت قدمي بالباب وأسندت ظهري إلى الحائط. ونمت كالقتيل.‏
تنبهت على بربرة غريبة من حارس سنغالي يحمل الفطور جبنة زيتون ومرملاد. قال بلكنة عربية مشوهة:‏
-مسلمان، الله محمد، ووضع يده على صدره احتراماً وردد:‏
-مسلمان:‏
-مسلمان.‏
قفزت الفرحة من عيني. ها هو بني آدم آخر قريب يتحرك أمامي بلحمه ودمه. سحبت قدمي من الكوة القصيرة المقضبة بحديد أسود.‏
لوحت بيدي وهتفت: -مسلمان.‏
طق مفتاح ثقيل بالقفل. أخرجني حارس إلى المهجع المقابل. خلصت بدني من الخوف. انتابني شعور مخدر وأنا أسير نحو رفاقٍ سجناء جدد، لعلهم هاربون من عذاب ما، من وطن محتل مثل وطني. بدأت يداي تلوحان، تترجمان بلغة الخرس. عجبت من رقتهم وليونتهم، حكيت قصتي من خلف القضبان، وحكوا قصتهم من خلف القضبان. كانت ألوانهم الأبنوسية السوداء اللماعة بداية الدرب الوعر الذي قادهم إلى الجلد والذل والسجن كنفايات أفرزها الإنسان الأبيض تحت شمسٍ محرقة.‏
الأسود في خدمة الأبيض، يدفع الأسود ضريبة لونه، لعله أخيراً يدرك أو لا يدرك بأن الحياة له إلا مع مجموعته. يعيش معهم ، ويفنى معهم.‏
كانت قافلة الموت أمامي أشبه بأيدٍ عارية مغلولة مبتهلة.‏
فهمت بصعوبة أن مأساتهم الأزلية تكمن في غنى أرضهم، وفقرهم ولونهم.‏
وفي ليلة قائظة حيث امتزج الدم بالغضب، قررت الكتيبة السوداء قتل كابتن انكليزي لأنه جلد رفيقهم بالسوط حتى الموت. وعندما اكتشف الأمر، انتقى الانكليز واحداً من كل كتيبة متطوعة لينفذ حكم الإعدام به رمياً بالرصاص انتقاماً وعبرة.‏
يسوق الحراس رفاقي السود إلى المحاكمة في السابعة صباحاً، ثم يعيدونهم كالغنم في الثانية عشرة. أربعة أيام متتالية دورت عيونهم كحبة المشمش وفرغت الدم من أبدانهم.‏
تنهد أبي، وطوى الرسالة. تعلقت عيناه لحظة بها، ثم ردد وكأن الغرفة خالية إلا من شبح أمي:‏
-نامي، نامي يا امرأة. الصباح رباح: عيدنا بمولد نبينا. ثم صاح وعيناه إلى السماء. اللهمّ إني صائم عن الطعام حتى يخرج سامي من السجن. بكينا حتى جف الدمع من عيوننا.‏
انزوت النسوة من بعد، كل في دارها يندبن حظ أمي العاثر. وشباب أخي.‏
انبلج النهار ساطعاً بشمس قوية نفضت كدر الأيام السابقة. خرج الناس إلى أعمالهم. فالأفواه مفتوحة، والغلاء يتفشى، والجوع يدخل البيوت المستورة بعد أن أضحت الإعاشة "بالبونات".‏
قامت مظاهرة ضخمة، كسرت نوافذ المدارس وأغلقت الدكاكين: جوعانين جوعانين رطل الخبز "بثلاثين قرشاً" ارتأى بعض من الوجهاء أن تتحمل الحارة جزءاً مادياً من مسؤولية حارة الفواخير الفقيرة المجاورة بعد اعتقال سبعة من شبانها وزجهم في سجن القلعة.‏
في تلك الأيام الصعبة دخلت أرجل غريبة إلى بيت كبير مهجور منذ سنوات يطل على خط الترام. جاءته عائلة مهاجرة من اسكندرون.‏
لم نر رجلاً واحداً من سكانه. بل ثلاث أجيرات يافعات قويات البدن تعاون مع عتالة على تفريغ الشاحنات الكبيرة المليئة بالخيرات من برغل وأرز وخوابي السمن البلدي، وتنكات الزيت في زمن الشح والاضرابات، وما هي إلا أسابيع حتى أسدلت الستائر المخملية على النوافذ وتم تنسيق الحديقة التي تفصل البيت عن الشارع بشتلات ورود ملونة. فجأة دبت الحياة فيه.‏
كان البيت كبيراً جداً طوابق ممتدة نحو الشمس بمستويات متدرجة داخلية على بساتين الحواكير.‏
ألف الناس منظر أقراص الكبب المدورة الشهية، ورائحة السمن البلدي تحملها الخادمتان صبيحة وصليحة على رأسيهما إلى الفرن. تنادي الحناجر مخنوقة: جوعانين جوعانين رطل الخبز بثلاثين. وتنهال الحجارة على نوافذ الترامواي من النقيفات والمقاليع المشغولة بأيدي الأمهات، على ساحة المرجة. انتقاماً من صاحبته فرنسا يشد الأطفال السنكة عن المسار الكهربائي. يتعلق الشباب بالرفراف وأصواتهم تلعلع:- حكم لصوص.. حكم لصوص خونة.‏
ترددت إشاعة بأن رب البيت المهاجر من اسكندرون سيصبح وزيراً للمالية. كان الوزير المرتقب طويلاً نحيلاً كعصا، ولكنه يملك عقلاً حسابياً وبناتٍ لا أجمل ولا أحلى.‏
تنبأت العائلات لهنّ بحظٍ يفلق الصخر.. ولم تمض أشهر قليلة حتى خطبت الجميلات إلى شبان أصلاء سلبوا أحلام كل فتاة في المهاجرين.‏
تبتسم الحياة لبناته، وتصبح الدنيا خادمة طيعة بين أيديهم. تقول أم مصطفى الأرمل:‏
-الحظ يجرّ الحظ. والفقر يجر الصئبان.‏
-جمال وكمال. ما شاء الله ترد أمي.‏
-أعوذ بالله. تنفض المرأة ثوبها عن صدرها.‏
فيما كنت، أنا وسامي نتلقى الصدمات المتلاحقة ازداد عادل ثقة واقتراباً من أبوي. أبدى صبراً وتنظيماً لحياته خططهما بفهم وتوازن.‏
أهدته أمي دون اخوته صندوقاً خشبياً أثرياً مصدفاً بنحو فني رائع. أغلقه بقفل نحاسي.‏
كثرت التكهنات حول ما يحتويه هذا الصندوق من أسرار يخشى عليها. استغل هشام وجود عادل بالحمام وكسر القفل مدفوعاً بفضول جهنمي. ماذا وجد؟‏
قصصاً، وروايات ورسائل مغفلة من الاسم والعنوان، وأقلاماً للرسم وصوراً مرسومة بالحبر الصيني لشخصيات معروفة شكلها على مزاجه، ورسماً مكبراً لسميرة فاتنة الحارة. فما كان منه إلا أن جمع الأوراق كلها ودفع بها إلى موقد الحمام. ساعتئذٍ بردت نيرانه.‏
خرج عادل متوهجاً كالجمر ينشف شعره الحليق عند الصدغين. فرأى المنظر.. الصندوق مفتوح، والأغراض مبعثرة. نفر الغضب من عينيه.‏
رد هشام متباهياً:‏
-لا أسرار في هذا البيت.‏
جُنّ عادل، خرج عن طوره لأول مرة في حياته هجم على أخيه يحاول خنقه. كيف يعتدي على حريته وملكيته؟ جره من رقبته، ألصقه بالأرض. لم يوقف الصراع سوى والدي الذي أطل وهو ينقر على النافذة. قال بحزم يفصل بينهما:‏
-فنجان قهوة يا هشام، تجرب عضلاتك مع أخيك. النادي الرياضي قريب. انحشرت بين الخزانة والجدار. صمت كل شيء إلا زفرات مكبوتة مهانة في صدر عادل.‏
ظفر هشام بشيء أسقط الحجاب عن الوجه الوقور الكتوم. ركضت ألملم بقايا مزق الأوراق المبعثرة.‏
ارتمى عادل على سريره محنقاً كحيوان ذبيح.‏
سارت الأمور داخل العائلة دون أحداث تذكر. لكن المدينة لم تهدأ، تأججت بالمظاهرات تدعو إلى حكم وطني لا يأتمر بأمر فرنسا.‏
لم تتغير دورة الحياة. تابعت خطها بزخمها الفوار. هي الأقوى. نجح عادل بالبكالوريا قسم الرياضيات.‏
يلذ لعادل صيفاً أم شتاءً،... عادة يومية.. أم يحمل كرسيه الخيزران ويتأبط كتابه ويجلس في رأس الحارة المشرفة على شوارع عده.. يقرأ ويتسلى بمراقبة الناس، وفي نيته المخبوءة أن يلمح فتاة أحلامه سميرة عائدة بباص الكلية يحمر وجهه، يغض الطرف إذ تمر مسرعة وتلقي التحية:‏
-مرحباً، عادل.‏
وتشاء الظروف السيئة أن تقع سميرة في غلطةٍ ترافقها مدى العمر. لمحها عادل مع شاب أسمر وسيم الطلعة في عربة يجرها حصانان. نزلت في مكان غير بعيد عن رؤياه قرب جادة الحواكير.. عادت منتشية لاهية تدندن نغماً شائعاً. لم يصدق عينيه، رفض الحقيقة. أحزنه ما رأى من فشل وتطلع نحو الغريب لم يتوقعه. طار صوابه دون وعي، لحق بالعربة. هجم على الشاب جره من نقرته تلوى الرجل بين يديه مباغتاً متملصاً. ركله عادل بقدمه على بطنه طرحه أرضاً. داس على رقبته وهو يصرخ:‏
-كلب حقير والله. لو رأيتك ثانية تُدردر ناحية الحارة لقلعت عينيك، لأعدمتك. والله أعدمك وأرميك مثل كلب في الشارع.‏
تجمع الناس. نفض عادل ثيابه، ونفض الغريب بنطاله. هرول أبو شاكر السمان، يتبعه جاره الحمصاني يوسف وهو يترنح من السكر:‏
-اتركه لي، دعه لي. أنا أربيه. يظن بنات الحارة داشرات. تبسم عادل، انتزع يوسف ضحكة من قلبه.‏
-شكراً يا يوسف، أنت قدها وقدود. ضحك الناس وتفرق الجمع. نفخ عادل الهواء ثقيلاً من رئتيه. مسح أنفه من الدم. أحس بأن ضلعاً سقط من صدره. تضخم الخبر في الحارة وبين الجيران وسعى البعض إلى توسيع الفجوة فبنوا سداً منيعاً لالقاء بعده. تنبهت سميرة من غفلتها. حاولت استرضاءه واستعطافه واغراءه. عبثاً، باءت محاولاتها بالفشل. وأخيراً جربت الرسائل. وقع بعضها في يد رفيقتها سها القاطنة الجدار بالجدار، الباب بالباب، فأوصلت الأخيرة الأمانة إلى غير أهلها، غير مبالية بالنتائج الخطيرة.‏
تمرغت سمعة البنت بالوحل، وحرمت من المدرسة فبقيت حبيسة الدار تنتظر العريس الذي لم يأت أبداً.‏
مدح أبي ابنه أمام الرجال:‏
-ابني زكرد، لاقواد، يجب أن يفهم الجميع.‏
منحته "الزكردية" ثقة على ثقة، أضحى الفكر المخطط والمنظم لشؤون البيت، وزعيم شباب الحارة. يحرض على الإضراب، ويدعو إلى المظاهرات ضد الفرنسيين، ويقود بعضها: بل ويكتب المنشورات.‏
التقي ليلى أخت سها "لطيفة ظريفة، نسير إلى المدرسة، نشتري كعك الدبس والتماري تتبعني كظلي. دعتني إلى بيتها كي نستظهر قصيدة: لبلابة قالت لنجم مرة يا طول صبرك. حددت أمي الوقت اللازم والمسموح به.‏
-نصف ساعة، فهمت يا سلمى، لا أريد مشاكل مع المجنونة سها هذه خبيثة. لا تتورع عن أية دسيسة.‏
-أعرف ماما.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 5
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اردن النشاما :: ₪ القصص والروايات ₪-
انتقل الى: