اردن النشاما
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الشباب والبنات ( فرسان التغيير)
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 7

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فارس الا
زائر
Anonymous



بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 7 Empty
مُساهمةموضوع: بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 7   بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 7 I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 03, 2007 4:45 am

- سلمى عندنا ضيوف أسرعي. ارتدي ثوبك البنفسجي. فهمت. هصرت خصري بالزنار الأسود الجلدي اللماع. برز نهداي مذعورين شددت قامتي، ودخلت بصينية القهوة. جلست قريبة من الباب أراقب عيني المرأة الفاحصتين، وأتجاهل غمزة أمي المتكررة تدعوني كي أخرج. لذت لي ملاحظة الضيفة بدت دقيقة القد. قدماها صغيرتان رقيقتان محشورتان بحذاء ذي كعب عالٍ. بانت أشد نحولاً أشبه بمراهقة عندما خلعت معطفها البني. تدلى من عنقها عقد لؤلؤي ثمين وسلسلة عريضة بطرفها ليرة ذهبية. يوحي مظهرها بالبحبوحة.‏
ظلت عيناها معلقتين بوجهي وهي تشكو كساد السوق وعدم إقبال الناس على الشراء. ردت أمي:‏
- لا تؤاخذيني بهذه الكلمة. التجار هم الكاسبون دوماً في الحرب والسلم. ما صدقنا أننا خرجنا من الحرب الثانية حتى فتحوا علينا أزمات واضرابات جديدة لن يتركونا بسلام. معلوم، أرض فلسطين خصبة، زيتون وبيارات برتقال. بلاد خير وجبل من ذهب في السعودية. الإنكليز دهاة الإنكليز بلوانا.‏
هزت الخاطبة رأسها. لم يعجبها الحديث.‏
- مفهوم.... مفهوم. ولكن...‏
لضمت المرأة الكلمة دون تصريح.‏
تساءلت:‏
- ترى ما عساها تريد أن تقول. أن تحكي بالسياسة؟ أم تريد أن توهمنا بأنها تدري ما لا ندري حتى لا تطلب أمي ثمن حقي نصف الألف.‏
سألت الضيفة بلطف:‏
- عملت شراب التوت هذه السنة؟‏
- عندي شراب السنة، صنعته بنفسي. تذوقيه ثم احكمي. سلمى شاطرة‏
- لا تعذبيها، فحت المرأة‏
غادرت الصالة مرغمة، ليس في مقدوري الرفض. إكرام الضيف من شعائر العائلة.‏
أرخيت السلم الخشبي من علاقته الحديدية في الجدار وركنته. صعدت إلى السقيفة متلهفة إلى إنهاء المهمة. تناولت قنينة واحدة من الرف وعدت. وضعت قدمي على أول درجة. لم أدر كيف انزلق تحتي، وهويت على الأرض أنا والقنينة. اندفعت المرأتان إثر الخبطة إلى المطبخ، وفجأة فرّت الخاطبة. بقيت أنا مطروحة لا أقوى على التنفس. قال مصور الأشعة الدكتور منذر:‏
- رضة قوية في الأضلاع.‏
فقدت القدرة على الضحك، والبكاء مدة أسبوعين. أغلقنا الباب ريثما أستعيد صحتي.‏
تقفز طموحاتي درجتين، درجتين، أهي فورة المراهقة، أم ثورة الانطلاق من الطفولة إلى الأنوثة الكاملة؟ أسمع تمزق الأغشية في جسدي. أسمع هسيسها في الليل فيما أضع رأسي على الوسادة. تقلقني. تسرق أمني، تجعلني أفكر بالألم الذي بدأ يدب في بدني يجب أن أخبر أمي:‏
- ما هذا الوجع؟ أنا مريضة؟‏
ترد متضاحكة صارمة:‏
- كل البنات يتوجعن في مثل سنك؟ تظل أسئلتي معلقة دون أجوبة يقتلها الحياء. سرعان ما أكتشف أجوبتها بنفسي. يكبر رأسمالي يوماً إثر يوم في عالم نماذجه غنية مذهلة.‏
اقتربت الامتحانات ولما تجف دمعة أمي على فراق سامي‏
يدخل هشام البيت ملكاً، ليخرج وزيراً. ترف أهداب(عربية) رفات مذعورة إذ تراه. يصرخ:‏
- عربية فنجان قهوة.... حضرت الأكل؟‏
تقترب منه. تمسح حذاءه الأسود اللماع. يمد قدمه متباهياً أمام إخوته. هي تخشاه ولا تخشاه.‏
أمي من جهتها لاهية عنه بعشيرتها، تزداد مشاكلها الصحية تعقيداً تحت وطأة الحزن. تسرح أفكارها خلف ابنها الشمس المهاجرة إلى افريقيا وخلف سامي السجين، وخلف أختي(مها) التي استكانت إلى حياة تعيسة مع صبري أفندي حين قبض عليها عصفورة صغيرة، وعصرها حتى لا ترجو انفلاتاً.‏
انتفخ بطن عربية، دفعتها أمي مداعبة من كتفيها‏
- سمنانة يا ضربانة. أطبقت البنت شفتيها وانتحبت عند قدميها. رفعت رأسها وقد ازداد نحيبها. ستي ستي، أنا غلطت استروني انتفضت أمي فجأة، جلست، نهضت. لا تصدق. فضيحة جديدة انهالت فوق البيت.- يا رب يا رب. رفعت أمي يديها إلى السماء تستمطرها الرحمة، والستر المقيم على المظلومين الغائبين. أمسكت مسبحتها البيضاء من حبات اللؤلؤ، وراحت تركع وتصلي وتبكي الفضيحة القادمة. عندما حبك الليل أوى كل إلى سريره تسللت أمي...‏
حملت القرآن الكريم من محفظته المطرزة بالقصب والترتر، وأدنته بخشوع من وجه أبي المورد بجمر المنقل النحاسي.‏
- أبو هشام. احلف بالكتاب الكريم أن تحفظ السر وتجد له مخرجاً.‏
صاح بها وقد تولاه الغضب واربد وجهه:‏
- هل جننت يا امرأة. أنا أحلف على القرآن، ولِمَ؟‏
لم يكن بد من إفلات الحقيقة الرهيبة:‏
- عربية عربية حامل.‏
انتفض كمن لسعته أفعى. حددّ نظرته يطرد كابوساً مفزعاً. رمق وجه أمي المرتعش مكذباً، انكمشت داخل ثيابها، قام مهتاجاً، ضرب الباب المغلق على الخادمة، رفعها من شعرها كريشة، ثم رماها على الأرض.‏
- كلبة. قولي الصدق، واللّه أذبحك إن لم تقولي الصدق.‏
- اذبحني، اذبحني يا سيدي، أنت أهون من أخي ومن أهلي.‏
- من هو، انبسي.‏
نشج صوت مقهور:‏
- سيدي هشام‏
- هشام، ابني هشام يبول في دلوي. واللّه قتْلك وقتله حلال في هذه الأيام الفضيلة، يا سواد وجهي من حالي ومن أهلك، ماذا أقول لهم تفضلوا ابنتكم حامل، انظري إلي.. حلفت لأبيك بشاربي هذين بأن أرعاك مثل ابنتي، دار على نفسه كثور هاج في طاحون، هرعنا كلنا من أسرتنا...‏
فهمنا الكارثة على الفور اقتربت أمنا منه متخاذلة.‏
- نحسبه من أولادنا يا رجل.‏
- اسكتي أنت، وهي، وهي ماذا نقول للغريب والقريب؟‏
سقط الجبار على الديوان خائراً ثائراً، غطى عينيه بكفه، فسالت منه قطرات ناصعة كالندى تشجعت أمي إزاء ضعفه، فاقتربت منه، ومسحت على شعره أسلم رأسه إلى صدرها.‏
وقفت على مبعدة يا إلهي، عاد طفلاً، هذا الجبار الذي يهز الأرض تحت قدميه، يعترف بالخيبة، وأمامي.‏
هزت الكارثة أركان البيت العريق، جللته بسواد أشد سواداً من اعتقال سامي، رفع الراديو الخشبي الضخم من غرفة الجلوس ومنعت أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب ومنيرة المهدية، وحل شجار يومي بين الوالدين العاشقين هدد بالانفصال.‏
هرب هشام إلى بيت عمته منذ اللحظة الأولى.‏
انفرجت الغيمة قليلاً عندما عاد الشيخ أحمد بعد أسبوعين تفوح من ثيابه رائحة البخور الفاغمة، وخلفه هشام، أمسك يدي عربية وهشام، وقرأ الجميع الفاتحة، لم توزع الحلوى ولا الملبس ظلت أمي تبكي حظ ابنها البكر وارتدت الأسود.‏
أحس هشام بالقيد الملفوف على عنقه، فالتحق طالباً بالكلية الحربية في حمص ومرت الأزمة الخانقة مليئة بالغم واليأس والخجل.‏
غير أن القفزة السريعة التي أدتها عربية دون تمهيد دفعتها إلى التمرد الدنيء على تقاليد البيت غير مبالية بالحزن الذي لفه، ولا بنظرات الجيران إلى بطنها المنفوخة. صارت تمشي متباهية كبطة سمينة نفضت جناحيها من الماء. رمت الشغل كله على كتف أمي. ها قد أصبحت زوجة لابن الشريف الكبير. من يقاربها؟‏
وقعت أمنا فريسة ضغط الدم.‏
زارنا الطبيب زهدي مرات ثم أعياه مرضها. فوصف لها العلق خلف أذنيها عله يخفف من الخطر. ارتمى العلق متورماً بالدم على منشفة بيضاء لفت حول رقبتها.‏
لعب القدر في تحرير هشام من قيد حديدي ربطه بعربية. وخرج من الوضع النفسي السيء الخطر خاوي اليدين. ولدت عربية ابناً ميتاً زاد من حزننا في الوقت الذي فرَّج عن قلوبنا ونفوسنا.. فما هي سوى أيام حتى رمى أخي الطلاق عليها الذي عمق في نفسي نفوراً منه مشوباً باحتقار خفي.‏
وصلتنا أوراق مهربة من سامي.‏
أهلي‏
فاض الشوق بي. بت كالزيز يئز ويدور حول نفسه، ثم يضرب رأسه بالجدار. جافاني النوم. أغزل أفكاري حول نفسي والمساجين. نسيت حالي ونسيت عائلتي. اقتحمت المهجع أرطب خاطرهم. قرأت لهم سوراً من جزء عمَّ وسورة ياسين والفاتحة. رددوها معي. ظلت عيونهم الخائفة متشبثة بالسماء تستجدي الرحمة. ولكن عبئاً فقد أحكمت الأنشوطة حول أعناقهم، أعناقنا، هل أصدق أذني، أأنا واهم، أم مجنون، سمعت أصواتكم تحت نافذة الزنزانة. قفزت أحاول رؤيتكم، لم أفلح فرحت أبكي. ضربت رأسي بالحائط. رآني السنغالي. دخل. أمسك قدمي ورفعني إلى النافذة، إلى الطاقة المعلقة في السماء. صرخت:‏
- ماما، بابا، خالتي، سمعت صوت خالتي يلعلع كالرصاص يقطعه نشيح أمي الباكية:‏
- لن أعود قبل أن أراه.‏
هل أنا واهم، اختلطت الآهات بالكلمات، ولكني متأكد من وجه شيخ أسود الشعر ملتح يتكلم الإنكليزي تذكرت سحنته. كانت لرجل لمحته في مكتب التطوع تملأ الخواتم الزمردية والياقوت أصابعه العشرة. وقفت أترنح كالسكران ناداني صفير خافت من الزنزانة المقابلة من خلال القضبان، رأيت الوجوه السوداء تلمع بدموع مغلوبة مقهورة ذليلة. تعانق أيديهم المستحيل. فهمت المصير القاتم الذي يفتح شدقيه لالتهامهم ربما التهامي غداً أو بعد غد.‏
مضت ساعة دقت أقدام عسكرية رتيبة قاسية على أرضية الزنزانة، وانتصبت قامات عملاقة مروعة في الضوء الباهت.‏
مشى الضعفاء طائعين أمامهم. أكتافهم متهدلة، رؤوسهم المجعدة منكسة كرايات مهزومة. كانوا الوقود العبرة الذي لملم من كل كتيبة ثأراً للضابط الإنكليزي.‏
لم يمض وقت كبير حتى دوت ثلاث عشرة طلقة. نظرت إلى ثيابهم المكومة في الزوايا وعلى الأرض. اقشعر بدني. انكمشت هلعاً هالني صوت الرصاص صرت أدور على نفسي كالمهووس أبكي مصيرهم. بل مصيري من يدري، أجل، ممكن، قد ألحق بهم غداً أو بعد غد.‏
فجأة دفع الباب عليّ بشدة. هبط قلبي.. وقف حارس أبيض فوق رأسي آمراً:‏
- خذ أغراضك، هيا هيا بسرعة.‏
وجدتني في محطة القطار التي شهدت حريتي أول مرة وأنا أغادر مصر إلى سوريا. كان الطريق إلى الحرية قصيراً جداً. أعادوني إلى الإسماعيلية ثم إلى قطعتي. ومنها إلى السجن قيد المحاكمة. جرجرة مهينة. عينت المحكمة الكابتن جورج محامياً للدفاع عني.‏
أحبكم جميعاً. أقبل أيدي ماما وبابا.... سامحوني‏
ما إن أنهى أبي تلاوة الرسالة التي وصلت متأخرة حتى جاءتنا البشارة سريعاً بأن سامي أصبح في سجن القلعة بدمشق. وقع أبي على محضر طويل في مخفر الشرطة ربطت به حيثيات الحكم، وأعاد سامي إلى البيت.‏
وقف سامي كالقطة المبلولة قرب الباب. حليق الشعر نحيل الجسم في ملابس عسكرية فضفاضة تخب قدماه في بسطار كبير. درنا حوله تلمسناه بأيدينا. وشممناه من رقبته وكتفيه البارزتين. تنحنح بدا خجلاً من ملابسه الوسخة. وربما من رائحة العرق. استند إلى الجدار ورمى الحقيبة عن ظهره ما إن أدار نظره فينا حتى دبت الحرارة في جسمه المنهك نفض عنه لحظة الذهول، وارتمى على صدر أمي يبكي بحرقة مثل طفل، جعل يبكي وينشج.‏
ضمته أمي بحرارة تمسح دموعه. ويمسح دموعها‏
حسم عادل الموقف العاطفي باحترام حقيقي لمشاعر أخيه.‏
- صار رجلاً، كفى دلالاً يا أمي.‏
تبادر إلى ذهن أمنا الطعام. يجب أن يأكل ويستعيد عافيته. انسحبت مرغمة وبقينا مسمرين إلى فمه ننتهز فرصة غياب الوالدة في المطبخ فقد ذابت كشمعة في الآونة الأخيرة.‏
- أي سامي نبر أبي بنفاد صبر فرحاً بعودة ابنه. اتكأ على مسند فوق الديوان المفروش بسجادة شرقية.‏
- رائحتي قاتلة. أغسل بدني وأعود إليكم. أجاب:‏
صرخنا بصوت واحد: لا، لا...‏
تدفق صوت سامي واهناً:‏
((عندما صدر علي الحكم بالسجن المخفف نظراً لصغر سني رحت أحفر الأيام بأظافري على الجدار إذا ما انسحب الليل وهاجمه الصباح. وصلتني دراهم أبي عن طريق ابن العشا متعهد الطرق لدى الإنكليز. فطلبت مذياعاً صغيراً تقاسمت سماعه مع الحارس الكونغولي. ازداد الضغط على السجناء المساكين. سمعت بأذني أصوات التعذيب الخارقة لكل معاني الرحمة.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 7
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اردن النشاما :: ₪ القصص والروايات ₪-
انتقل الى: