اردن النشاما
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


الشباب والبنات ( فرسان التغيير)
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
فارس الا
زائر
Anonymous



بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 2 Empty
مُساهمةموضوع: بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 2   بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 2 I_icon_minitimeالسبت نوفمبر 03, 2007 4:39 am

أرامقه مستفهمة.‏
-هلا استعرته لي من صديقتك "زينة". تكبرني زينة، رفيقتي في المدرسة، بأعوام ثلاثة. هي جميلة بيضاء نظيفة الرائحة.‏
قلت: لمَ لا.. تحب أمها أمي وتسّر لها كوامن أشجانها وحتى دقائق حياتها الزوجية، ورغبتها المكبوتة بين أربع حيطان ضم ابنة حماها العانس فيما زوجها يقضي معظم وقته في الضيعة. مع من؟ لا تدري.‏
ألم تسألها مرة أن تقسم على المصحف الشريف بأن تحفظ سرّها إذ تتمنى الموت لتلك العانس الشمطاء؟ أو تجد وسيلة.‏
ارتديت ثوباً سماوياً مطرزاً بخيوط حريرية حول القبة المدورة، فصلته لي خياطة الحارة الماهرة " مسرة خانم".‏
تقول أم زينة عنها:‏
-من تضاهيها؟ ولا واحدة. فنانة، ترسم، وتفصل، وتجدل الخيوط ببعضها، وتصنع زنانير رائعة.‏
أجلستني زينة على الأريكة الطويلة المستورة بقماش مورد مكشكش. تأملت أظافرها المقصوصة، ثم ابتسمت بلطف، غابت لحظة وعادت بالكتاب. وضعته أمامي:‏
-تفضلي.‏
قلبته. صور حيوانات مألوفة وغير مألوفة من قارات بعيدة. حملتني عوالمه وألوانه إلى بلاد شاسعة إلى ما وراء حدود دمشق وبيروت التي لا أعرف غيرها.‏
عدت فرحة بما أحمل. سلمت سامي الكتاب، لمحت بريقاً لامعاً في عينيه، وسعادة آسرة غمرت وجهه البرئ المزغب وهويتفتح للحياة.‏
غيرت مجبرة مدرستي الأجنبية بتحريض من أعمامي خوفاً منهم على عقيدتهم من الإنشراخ. وما أسلموا أعماقهم في حقيقة الأمر إلاّ إلى الغيرة.‏
اعتبرت تلك النقلة من المدرسة الإيطالية بمثابة عقاب لي. هبطت عشر درجات ودخلت دوامة الأزورار في المدرسة الحكومية والخوف من المسطرة، والقرفصة على الأرض حتى تتيبس الأقدام. أضعت متعة الغناء الجماعي بمرافقة الراهبة على أنغام البيانو.‏
بعد لأي متعثر بدأت أتأقلم مع لداتٍ في مدرسة "خولة الكندية" بالمهاجرين. في هذه المدرسة توثقت عرى الصداقة بيني وبين زينة وليلى وناديا من بنات الحارة التي أضحت مرتع لقاءاتنا البريئة وحلم أيامنا.‏
أعدت كتاب التاريخ الطبيعي إلى صاحبته وأنا سعيدة.‏
في طريقي إلى المدرسة صباحاً رأيت زينة كحمامة يرفرف فوق جبينها شريط أبيض. لحقت بها. هربت مني. قرأت في عينيها شيئاً غريباً، بغيضاً، انقلاباً استوفز كبريائي وبنى سداً منيعاً بيننا، أمعنتْ في أزوارها، تعمقت القطيعة فقررت إذلالها. أغفلتها من حياتي وتفكيري، وعقدت صداقة مع ليلى.‏
عدت من المدرسة إلى البيت في الرابعة بعد الظهر. رأيت الحطب مرمياً، والحطابون ينيخون جمالهم للراحة. شممت رائحة شياط.‏
بادرتني نظرة من أمي ملبدة بالغضب. لاحظت رعشة خفيفة في شفتيها. ردت الباب بنزق:‏
-عجلي عجلي غيري صدارك.. عندما أم زينة.‏
-أم زينة؟ وما شأني أنا؟‏
امتثلتُ. فتحتُ باب الصالة فضرب الحائط. هاجمتني رصة لئيمة تعلو شفتي جارتنا الرقيقتين مضمومتين على ازدراء. لمحت بين يديها كتاب التاريخ الطبيعي الذي لابنتها. فجأة رمته من يدها على الطاولة قرب فنجان القهوة الذي لم تمسه ورددت مرتين:‏
-باطل، باطل يا أم هشام، كيف ينجح ابنك في حياته. كيف يسمح لنفسه وينزلق نحو فعل مشين كهذا وهو في هذه السن.‏
فتحت الكتاب وتلوت في الكرسي، ثم قربته من أمي:‏
-انظري بنفسك. استعاره من زينة ثم رده وعلى جلدته الداخلية أشعار غرامية.. بالحبر الأحمر.‏
فركت كفيها باستياء وقلبت شفتيها كضفدعة.‏
-باطل، باطل.‏
ركبني الذهول حقاً أمام صمت أمي. فتحت فمي لأدلي بشهادتي فأسكتتني بقسوة.‏
-ولا كلمة.. هزت الكتاب في وجهي، ثم رمته على الأرض فانفرطت صفحاته.‏
أكملت:‏
-أشعار غزل لبنات الناس. كيف يتجرأ، كيف تمكنت أصابعه من خط كلمات حب ليست من حقه. باطل، باطل.‏
تأبطت الجارة محفظتها الجلدية السوداء، وهرولت تاركة إيانا مشدوهتين وكلماتها الواخزة تسبح في فراغ الغرفة.‏
لبدت في مكاني، تلبستني مشاعر عديدة. أخفقت في القبض عليها كاملة. أحببت لو أركض خلفها وأجرها من منديلها، وأمعسها بقدمي، اضربها، أعفر أنفها الرفيع البارز لأثأر لأمي الدّهشة.‏
أرخت والدتي رأسها حزينة. أدلت رقبتها النبيلة على ضلفة باب غرفة الضيوف مهانة مكلومة إلى آخر عظمة في بدنها. لم تجرؤ على الكلام. مسحت دموعها عن خديها ببطء وفجأة تيقظت من ارتباكها. تحفزت نحوي تريد الإمساك بتلابيبي، وتفجير الغضب.‏
خطا أبي خارجاً من غرفته، متوجهاً إلى المقهى. قرأ حيرة على وجهينا، رمى على الكرسي صحيفة الألف باء، ومجلة المضحك والمبكي الأثيرة لديه. استدار عائداً إلى غرفته. نبر بصوت آخر:‏
-أم هشام.. الحقيني.‏
جأرت أمي مكفكفة دموعها:‏
-شفت، شفت ابنك سامي، ماذا فعل بنا، بهدلنا أمام الصغير والكبير، مرغ سمعتنا في الوحل، تصور..‏
قاطعها:‏
-اهدأي يا امرأة، لم أفهم شيئاً من الأول.‏
-لا أول ولا آخر.. والله، والله. حلفت بالعظيم، لن أبقى في هذا البيت. لم أعد احتمل عجرفة الأب، ولا ميوعة الأولاد ولا ميوعة الجيران.‏
رفع أبي حاجبيه متسائلاً كيف أقحمته في مشاكلها.. صرخ بها مهدئاً فأوقف هذيانها.. تقطع الكلام في حلقها.‏
-ابنك سامي، ابنك عشقان ما شاء الله، مع من؟ مع ابنة جارنا العزيز، يا خجلي!‏
-سامي، عشقان، ألا تعرفين معنى هذه الكلمة؟‏
انخضت عيناه، وتغلب لونهما الأحمر القاني على لون بشرته وشعره الأشقر.‏
-أعيدي.. لم أسمع.‏
-يا سيدي.. وحكت القصة كاملة.‏
أخضع ردة فعله وثورته بعد عذاب إلى تحكيم العقل رد حانقاً:‏
-أهذا ما تعلمه في مدرسة الفرير؟ تحملت كلام الناس، حاربت اخوتي، ليصبح بشراً. بعت بيتاً، بيوتاً، لأصرف عليه وعلى إخوته في المدارس الأورباوية..‏
وعلى حين غرة صرخ بملء صوته:‏
-الجيران، عرضي، شرفي فهمت؟ أين هو، أين، ناده هذا جزائي.‏
ضرب على صدره مهدداً:‏
أجابت بضعف:‏
-لم يعد من المدرسة، لفت يديها حول صدرها تكبت زفيراً حاداً متقطعاً، بينما راحت شفتاها تبسملان.‏
اقتربت من أبي مسترحمة.‏
تخاذلت أمي أمام ردة فعله العنيفة عائدة إلى كامل رشدها.‏
-أبو هشام، مابودنا فضائح ولا شماتة، هنا حفرنا، وهنا طمرنا. والله لو ضربته كفاً لتركت البيت لك، وسافرت إلى بيروت.. كراج العلمين موجود، وأشارت بيدها نحو الباب.‏
استدار بجسده المديد نحوها. لم تعجبه لهجتها الطارئة، وخروجها عن المألوف، بظّت عيناه من محجريهما.. لكنه التزم الصمت.‏
خرجت أمي من الغرفة ولسانها يقول:‏
-هل تجاوزت الحدود معه، هل أساءت إليه، هل سيغفر لها جرأتها المفاجئة على سلطته؟‏
لعلع صوت أبي:‏
-ماشي الحال، اليوم نعقد جلسة مع العائلة وندبر الأمر زفر. كان زفيره قوياً، يوقد حطباً.‏
تكركب البيت الملموم على الحب بحضور أختي هدى التي جاءتنا ضيفة مكرمة، كانت خارجة من الحمام على صراخ أبي موردة الخدين مجدولة الشعر الأشقر الطويل. هتفت:‏
-سلمى ماذا جرى؟ كأني سمعت صوت بابا على غير العادة.‏
أجبت:‏
-قام يوم القيامة.. أمك ستطلق وانتحبت. ستطلق أمك.‏
رمت المنشفة الكبيرة من يدها فانحلت ضفيرتها على كتفيها. بدت حورية جميلة. شدتني من شعري.‏
-ثقيلة الدم، غليظة، هذه كلمة كبيرة من أين أتيت بها.‏
-سمعتها من أبي يهدد بها أمي وهو يدلف إلى غرفته غاضباً، على كل حال هيئي نفسك اليوم لحضور المحاكمة.‏
أمسكتني من كتفي وثبتتني على الحائط.‏
-لن أتركك حتى تقولي كل شيء.‏
-يا ستي، كتب سامي قصيدة غرامية على كتاب زينة، فهمت الآن؟‏
اربد وجه هدى، لعلها تذكرت ابن عمها الذي قبر حبهما قبل أن يزهر. فابن العم العزيز سافر إلى فرنسا وتزوج هناك، وما عاد إلى بلدها مطلقاً.‏
حكم أبي على سامي حكماً جائراً. أجبره أن يقف على قدم واحدة طوال السهرة، ووجهه إلى الحائط، ولم تنفع معه واسطة.‏
تتلاعب الليالي بي، تمد لي شرائط ملونة، أتعمشق عليها، ثم ما تلبث أن تنقطع فوق جنازة قتيل شهيد، ويزداد عدد القتلى كل يوم. تحمل الأكف الشابة جثمان الفقيد إلى مقبرة الدحداح.‏
ومئات الحناجر الغاضبة تردد:‏
-والشهيد حبيب الله، لا إله إلا الله، تسقط فرنسا، يسقط الانتداب! يركض النعش خفيفاً، ليصبح منارة فرماداً.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بنات حارتنا - ملاحة الخاني الجزء 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
اردن النشاما :: ₪ القصص والروايات ₪-
انتقل الى: